2025-08-02 نشرت في
شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟
"ناضت زكرة بريك"، "طاحت فيه زكرة بريك"، "ركحت فيه زكرة بريك"... عبارات متداولة في الدارجة التونسية، تتردد في الحكايات والمجالس وحتى في وصف لحظات التوتر أو النزاع المفاجئ، لكن القليل فقط يعرف أصلها الحقيقي، وتاريخها اللي يعود لعقود خلت، زمن ما كانت تونس إيالة تحت حكم البايات.

شكون هو "بريك"؟ وشنية "زكرتو"؟
القصة ترجع لفترة الصراع بين الحسينيين والباشيين في الإيالة التونسية، وين كل طرف كان يحاول يفرض سيطرتو على البلاد. العائلة الباشية كانت تملك "العنف الشرعي" وقتها، من خلال فرق عسكرية تخرج من قصر باردو، متكوّنة من الإنكشارية، عسكر زواوة، صبايحية، ورماة المدفعية. كل حملة أو دورية كانوا يسمّيوها "محلّة".
المحلات هاذي كانت عندها مهمتين أساسيتين: قمع العروش المتمردة وجمع الجباية، لكن ما يجهله برشة هو أن كل محلّة كانت تضم أيضا عنصر موسيقي مهمتو مش العزف للتسلية، بل للتعليمات العسكرية! يستعمل آلة تشبه الترومبات الحديثة، كانو يسمّيوها "الكريرو" والناس سموها ببساطة "الزكرة".
الموسيقى اللي يخرجها هالعنصر ما كانتش مفهومة للناس العاديين، لكن العسكر يعرفها مليح: نفخة للهجوم، أخرى للتراجع، وأخرى للتجمّع… وكانت كل نفخة تعني فعلًا ميدانيًا فوريًا ومرعبًا.
وهنا يدخل "بريك"...
"بريك"، هو الاسم اللي اشتهر به مبروك الزواوي، وهو أحد عناصر المحلة، مهمتو النفخ في "الكريرو". وكان من أشهر من تولّى هالدور في واحدة من أشرس المحلات المعروفة بالبطش والقسوة.
كان صوت زكرة بريك يعني بداية هجوم مفاجئ على الأهالي: ضرب، شتم، تهجير، قمع… لدرجة أن الناس كانوا، بعد ما ينجو أو يحكيو على اللي صار، يقولوا:
"اليوم طاحت فينا زكرة بريك"
يعني جاهم البلاء من حيث لا يحتسبون، وأُخذوا على حين غرة بالعنف والبطش.
من النفخة إلى المثل
مع الوقت، ولات عبارة "زكرة بريك" تُستعمل مجازًا لوصف حالة من الشجار المفاجئ، أو التوتر الكبير، أو حتى الأوضاع اللي تخرج عن السيطرة. وصارت جزء من الذاكرة الشعبية، حاملة معاها قصة تاريخية حقيقية عن العنف، السلطة، والمقاومة.
"زكرة بريك" ما هيش مجرد قول دارج، هي شهادة تاريخية عن زمن كان فيه الصوت يعني الهجوم، والناس تحكي وجيعتها بكلمة وحدة:
"زكرة بريك".