Publié le 06-03-2018
كمال مرجان : أنوي الترشح للرئاسة.. ولا أنتقد المرزوقي لأنه جديد على السلطة
قال كمال مرجان، وزير الخارجية التونسية الأسبق، إن ما حصل في تونس كان بمثابة زلزال كبير ضرب دون سابق إنذار، وإن معظم الطبقة السياسية التونسية لم تكن تتوقع حصول ثورة تقلب النظام بأكمله.

وأقر في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» في تونس العاصمة أنه كان يساند فكرة إجراء تغيير في أسلوب الحكم وتوجهات الحكام من الداخل قبل حصول الثورة، وليس التخلص من النظام السياسي برمته. وأشار إلى أن زين العابدين بن علي ظل يمارس عمله الرئاسي حتى حدود الساعات الأخيرة من 14 يناير (كانون الثاني) 2011، وهو اليوم الذي شهد انتفاضة الشعب التونسي، وأن ما حصل طيلة ذلك اليوم والأيام التي تلته كان غير قابل للتفسير. كما اعترف بمساندة الدول الغربية لفكرة التغيير على مستوى الأنظمة العربية، وقدم معطيات حول آخر يوم في حياة النظام التونسي الأسبق.
وفيما يلي نص الحوار
راج خلال السنوات الأخيرة من حكم بن علي بأنك قد تكون خليفته في الحكم؟
- هذا الطرح كان موجودا بالفعل، وكانت لدي أسبقية على مستوى رجال السياسة. فقد خبرت كثيرا العمل السياسي وعرفت في الخارج من خلال العمل الإنساني. ولا أنكر أن علاقات طيبة كانت ولا تزال تربطني بمسؤولي الإدارة الأميركية. وكان هناك، على ما يبدو، اطمئنان حول شخصي، بحكم معرفتهم بي أكثر من باقي السياسيين التونسيين. ولكن ما أريد أن أؤكد عليه هو أنني لم أسع إلى الاتصال بأي جهة سياسية أو أي بلد من البلدان. وأنا في حقيقة الأمر أعتز بتفكير أطراف أخرى في شخصي لإنقاذ تونس.
ولكنك زرت الولايات المتحدة خلال الأيام الأخيرة. ألا يمكن اعتبار هذه الزيارة إحياء لعلاقات قديمة؟
- الزيارة التي قمت بها لا دخل للولايات المتحدة فيها، فقد توجهت إلى مقر منظمة الأمم المتحدة ولم أزر أي مكان آخر. والزيارة جاءت في نطاق هيئة الأمن الإنساني في الأمم المتحدة التي أعد من أعضاء هيئتها الاستشارية.
نعود إلى النظام التونسي السابق، هل لك أن تعطينا فكرة عن طبيعة معاملة بن علي لأعضاء الحكومة؟
- كان يحب الانضباط، ولم تكن الجلسات المخصصة لملفات العمل الحكومي تتجاوز حدود نصف ساعة، وكانت توضع على طاولته مجموعة كبيرة من المواعيد السياسية، ولم يكن يسمح بالتطرق إلى مواضيع خارج اختصاص الوزارة. أما بالنسبة لي فقد كانت علاقتي بابن علي طيبة ويسودها الاحترام المتبادل، لكن لم يكن يشجعني على تناول أي موضوع سياسي خلال المواعيد المذكورة.
من خلال عملك في وزارة الخارجية لمدة عام تقريبا، هل لمست بالفعل بحث أطراف غربية فاعلة آلية إحداث تغيير سياسي في تونس؟
- لا أنكر أن العالم الغربي كان يبحث بطريقة ما عن تغيير داخل الأنظمة العربية، ولكن ما حدث في تونس، باعتبارها مهد أولى ثورات الربيع العربي، كان مفاجئا. وأنا شخصيا لم أستوعبه بالكامل حتى الآن.
هل هذا موقف شخصي أم أن نظام حكم بن علي كان يتفاعل بنفس الطريقة ويدق ناقوس الخطر بسبب ما وصل إليه الوضع السياسي في البلاد؟
- لم يكن بن علي ينتظر ثورة مثل تلك التي حصلت في البلاد، والدليل على ذلك أنه قضى عطلة نهاية السنة بإحدى الدول العربية. ولكنني أعتقد أنه أحس بالخطر في الأيام الأخيرة قبل سقوط النظام، ولم يكن أبدا يتوقع حصول ثورة بداية 2011، ولعله تعامل مع ما حصل بنفس أسلوب أحداث الحوض المنجمي التي وقعت سنة 2008، وهدأت بعد تدخل الجيش التونسي.
هل كانت لديك اتصالات خاصة بالرئيس بن علي خلال 14 يناير؟
- بالفعل، فقد كنت على علاقة به طوال ذلك اليوم، حيث طلبني في الصباح ولامني على تصريح أدليت به لإحدى الإذاعات الفرنسية حول قبوله بتشكيل حكومة وحدة وطنية، وقال لي إنه يدعم فكرة حكومة ائتلافية، بمعنى أن تكون كل التيارات السياسية ممثلة في الحكومة، وهي الملاحظة الوحيدة التي قدمها لي. وفي حدود الساعة الحادية عشرة من نفس اليوم طلبني للاستفسار حول موضوع اطلع عليه في إحدى المجلات، وكان الانطباع السائد أنه يسير دواليب الدولة بصورة عادية على الرغم من خروج الآلاف للاحتجاج في شارع الحبيب بورقيبة. وفي حدود الساعة الثانية والنصف بعد الزوال طلبته، وأعلمته أن الأمور تسير بشكل غير عادي، وأن الأمن انسحب من محيط وزارة الخارجية التي تعد إحدى وزارات السيادة، فقال لي بالحرف الواحد: «هذا أمر خطير، سأتولى الأمر»، وكانت هذه الجملة آخر عبارة سمعتها منه.
هل يعني هذا تقديم مرجان نفسه في المنافسات الرئاسية على أنه مرشح وفاقي لكل الأحزاب؟
- أعتقد أن دور الرئيس التونسي المقبل سيكون توفيقيا بالأساس، بل أبعد من ذلك أنتظر أن يكون أبا لكل التونسيين، وإذا تمكنت من الفوز بالرئاسة فلن أكون في كل الأحوال رئيسا بالمعنى القديم للرئاسة، أي من يقرر وينفذ، لأن القرار سيكون مشتركا وتوافقيا بالأساس. فالوضع السياسي بعد 14 يناير لن يكون أبدا نفس الوضع قبل هذا التاريخ.
وما صعوبات منصب الرئيس، حسب رأيكم؟
- هناك صعوبات شخصية تهم فهم الدور المنوط بعهدة الرئيس، ومن ثم التنازل عن بعض الأمور الشخصية حتى يتمكن من تجاوز عقدة الرئاسة بمعناها التقليدي. وهناك صعوبات موضوعية تهم بالخصوص التجربة وضرورة الاتعاظ من الماضي حتى لا تتكرر التجارب الحاصلة، سواء في تونس أو خارجها.
* هل يعني هذا انتقادا مبطنا للرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي؟
- أنا لا أنتقد المرزوقي، فهو بدوره جديد على السلطة والحكم.
* لكن رغم ما قدمتموه من تحاليل سياسية ورؤية مستقبلية للعمل السياسي فإنك كنت تنتمي إلى منظومة الحكم القديمة، فكيف يمكنكم اليوم تجاوز هذا العائق؟
- لا أنكر هذا الواقع، ولكنني قلت إن الوضع تغير بعد 14 يناير، ولن يعود أبدا إلى الوراء. لذلك تغيرت كذلك العلاقات بين القيادات السياسية التونسية، ولاحظنا هذا من خلال تعاملنا مع مختلف الأحزاب السياسية. فبعد الامتناع عن المصافحة العادية خلال الفترة التي لحقت الثورة بتنا اليوم نجتمع ونتناقش حول مستقبل البلاد لأن الكثير من رجال السياسة فهموا أن العودة إلى الماضي لن تكون في صالح أي طرف سياسي، وما علينا إلا النظر إلى المستقبل.
المصدر : الشرق الاوسط