Publié le 16-12-2025

مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي والتحولات الرقمية تفرض اجتهاداً جديداً للفتوى الإسلامية

في سياق عالمي بالغ التعقيد، تتسارع فيه التحولات العلمية والتكنولوجية، وتتفاقم فيه الأزمات الإنسانية، جاءت مداخلة سماحة الشيخ الأستاذ هشام بن محمود، مفتي الجمهورية التونسية، خلال فعاليات اليوم العالمي للفتوى بالقاهرة، لتعيد طرح سؤال جوهري: كيف يمكن للفتوى أن تظل وفية لمقاصد الشريعة، وقادرة في الآن نفسه على مواكبة تحديات العصر؟



مفتي الجمهورية: الذكاء الاصطناعي والتحولات الرقمية تفرض اجتهاداً جديداً للفتوى الإسلامية

تحت عنوان: "الفتوى وقضايا الواقع الإنساني نحو اجتهاد رشيد يواكب التحديات المعاصرة"، قدّم مفتي الجمهورية رؤية فكرية عميقة، تربط بين الاجتهاد، المقاصد، والواقع الإنساني المتحوّل، في لحظة وصفها بالدقيقة من تاريخ الأمة.

الواقع الإنساني وتحديات الاجتهاد
استهل سماحته كلمته بالتأكيد على رمزية المكان والزمان، مشيراً إلى مصر الشقيقة كأرضٍ للتاريخ والحضارة والعلم، قبل أن ينتقل إلى تشخيص الواقع العالمي القاتم، حيث تتعرض الإنسانية لاختبارات قاسية، وتستهدف شعوب وحضارات، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني، في مشهد يستدعي تجديد العهد بالقيم الكبرى للإسلام.
وقال في هذا السياق: "إن التحديات الكبرى التي تواجهنا اليوم لا حدود لها، بما يجعلنا في حاجة ماسّة إلى اجتهاد قادر على مواكبة العصر، دون التفريط في ثوابت ومقاصد الشريعة".

من الجمود إلى المقاصد
وشدّد مفتي الجمهورية على أن التحولات المتسارعة، من الثورة الرقمية إلى الذكاء الاصطناعي والعوالم الافتراضية، فرضت واقعاً جديداً "انتقل فيه الإنسان من المتخيّل إلى الممكن، ومن المستحيل إلى الواقع".
وفي هذا الإطار، استحضر سماحته السبق الفكري لعلماء الزيتونة والأزهر الشريف، الذين نبهوا مبكراً إلى خطورة اتساع الفجوة بين الأمة ومسار التقدم الإنساني، محذّرين من الانشغال بـ"قشور الخلافات الفقهية" على حساب الاجتهاد المقاصدي.
واستشهد بقول العلامة السيوطي الذي اعتبر أن"الاجتهاد في كل عصر فرض"، داعياً إلى إعلاء البعد المقاصدي للفتوى بما يجعلها أداة تفاعل حيّ مع الواقع.

الفتوى: من الحكم إلى الفهم
وفي مقاربة عميقة لوظيفة الفتوى، أوضح سماحته أن الفتوى ليست مجرد "إخبار بحكم شرعي"، بل هي إجابة عن إشكاليات إنسانية مركّبة، تتطلب اليوم الاستماع إلى المختصين في مختلف المجالات العلمية والطبية والاجتماعية.
وقال: "إن تشعب القضايا المعاصرة يفرض الارتقاء بالفتوى إلى آفاق أوسع، تجعلها قادرة على التفاعل مع واقع الإنسان اليوم، وتؤكد في الوقت ذاته قدرة الشريعة الإسلامية على التواصل والتجدد".

دعوة إلى فقه الرحمة واليسر
وفي ختام كلمته، أكد مفتي الجمهورية أن جوهر الإسلام هو السماحة واليسر، مستحضراً القيم التي أرساها النبي محمد ﷺ، والدعوة إلى نشر المبادئ السامية، وتغليب الرحمة، والأخذ بالأيسر، بعيداً عن التعصب والانغلاق وتوظيف الدين في الصراعات.
وقال: "إن الدين عند الله الإسلام، وهو دين الرحمة والإحسان، والقادر على إصلاح الإنسان والأرض معاً".

نحو فتوى تصنع المستقبل
تفتح مداخلة سماحة الشيخ هشام بن محمود آفاقاً واسعة لنقاش عميق حول دور الفتوى في عالم متغير، وتضع المسؤولية على عاتق العلماء والمؤسسات الدينية من أجل إنتاج اجتهاد رشيد، يوازن بين الأصالة والتجديد، ويعيد للفتوى دورها كجسر بين الشريعة والواقع الإنساني.
إنها دعوة صريحة إلى فقهٍ يصنع المعنى، لا فقهٍ يكرّس القطيعة، وإلى اجتهادٍ يواكب المستقبل دون أن يفقد جذوره.



Dans la même catégorie