2025-05-02 نشرت في

الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة

 بمناسبة اقتراب حلول شهر ذو القعدة، أحد الأشهر الحرم التي ميّزها الله تعالى بأحكام خاصة، يستعد المسلمون لاستقبال هذا الشهر المبارك بما يحمله من فضائل روحية ومكانة عظيمة في الشريعة الإسلامية، 



الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة

والأشهر الحرم هم : ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب. قال تعالى: ("إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ، فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ")(التوبة: 36) وهذه الأشهر ليست وليدة الإسلام، بل كانت معروفةً قبل بعثة النبي ﷺ، ولكن الإسلام أقرها وأعطاها بعدها الشرعي تعظيمًا لله لا للعادات.

ما معنى "حُرُم"؟

ولماذا التخصيص؟ الظلم محرّم في كل الأزمنة، لكن التخصيص في قوله تعالى "فلا تظلموا فيهن أنفسكم" جاء للتشديد والتغليظ، تمامًا كما يُفضّل الله أماكن على أخرى (كالحرم المكي)، ويُفضل عبادات على أخرى، ويُفضل أزمنة على أزمنة، فهذه من خصائص الألوهية: "وربك يخلق ما يشاء ويختار" في هذه الأشهر يتضاعف ثواب الطاعة، وتشتد المؤاخذة على المعصية. فمن همّ بطاعة نال أجرًا مضاعفًا، ومن همّ بمعصية استحق وزرًا أعظم، لذا حثّ العلماء على الإكثار من الصيام، والذكر، والاستغفار في هذه الأشهر.

القتال في الأشهر الحرم...

قصة وعبرة ورد في القرآن الكريم قوله: ("يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ۚ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ..." )(البقرة: 217) نزلت هذه الآية بسبب حادثة في السنة الثانية للهجرة، عندما أرسل النبي ﷺ سرية لاعتراض قافلةٍ لقريش، فوقع الاشتباك في نهاية جمادى الآخرة، وبداية رجب (وهو من الأشهر الحرم)، فقتل أحد المشركين. فثار المشركون ولاموا المسلمين على انتهاك حرمة الشهر، رغم أنهم أنفسهم كفروا، وصدّوا عن سبيل الله، وأخرجوا المسلمين من مكة، فكان رد القرآن واضحًا: "وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ" والمقصود بالفتنة هنا: الشرك بالله، لا النزاعات الاجتماعية كما يظن البعض خطأً عند إسقاط الآية على مشكلات شخصية أو قبلية، فيُستشهد بها في غير موضعها. حرمة المكان... وتعظيم الحرم كما أن الزمان يُفضل، فإن المكان كذلك. مكة المكرمة والمدينة المنورة هما الحَرمان الوحيدان في الإسلام، والقدس الشريف – رغم فضله – ليس حرمًا بالمفهوم الفقهي، بل يُضاعف أجر الصلاة في المسجد الأقصى فحسب.

قال الله تعالى عن الحرم المكي: ("وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)" (الحج: 25) فمن ارتكب كبيرة في الحرم، ضوعف عليه العقاب، ومن أطاع الله فيه، عظّم له الأجر. ولذا، فإن اجتماع الزمان والمكان والعبادة في الحج يجعل منه قمة في الطاعة: شهر حرام (ذو الحجة)مكان حرام (مكة)زمن فاضل (أيام العشر)يوم عظيم (عرفة) كل هذا يجعل ثواب الحج مضاعفًا وعظيمًا.

خاتمة ودعاء

إن تعظيم الشعائر والأزمنة والأمكنة هو من تقوى القلوب، ومن فقه المسلم أن يعرف كيف ومتى يُضاعف الثواب أو العقاب. فلنغتنم هذه الأشهر الحرم في ذكرٍ واستغفار، ولنحرص على تجنب الظلم والمعصية. اللهم زكِّ نفوسنا، وزدنا إيمانًا وهدًى، واجعلنا من المتقين. اللهم يسر لنا الطاعات، ووفقنا للصالحات، وبارك لنا في أوقاتنا، وارضَ عنا يا أرحم الراحمين. وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.


في نفس السياق