Publié le 06-03-2018

بوداموس : كيف تتجاوز السياسة فن تحقيق الممكن

منذ أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن شعار حملته الإنتخابية في 2008 "يس وي كان"، أي "نعم نستطيع"، حتى تحول الشعار إلى لازمة سياسية كانت لها حضور كبير شبيه بتلك الإشهارات التجارية التي تغزو العالم و أسواقه من حين إلى آخر



 بوداموس : كيف تتجاوز السياسة فن تحقيق الممكن

الملفت في هذا الشعار في أنه يتخطى مجرد تأكيد "الإستطاعة" ليضيف إليها حتمية لا مفر منها: نعم.. نستطيع!! حتى تؤكد على إنتصار لا ريب فيه، هو إنتصار للسوق و دولاره، و صك غفران تم بموجبه إعلان مصالحة شكلية مع ماضي أمريكا الدموي ضد "سودها".. عفى الدولار عما سلف، هكذا هي القاعدة..

لطالما ضلت السياسة سجينة التعريف الكلاسيكي بماهي فن تحقيق الممكن في إطار المتاح و المستطاع.. و لكن لما لم نجرؤ على التساؤل: من يحدد الممكن و المتاح؟ و ما هي الحدود التي يقف عندها؟
لماذا لم نجرؤ على التساؤل و طرق جدران خزانات هاته الحدود الضيقة التي اغتالت الحلم و حددت إرادة إنسان هذا العالم داخل دوائر ضيقة ضلت مرتبطة دوما بأخلاقيات صناع القرار، و نواميس الحروب و العهود و الإتفاقيات و المواثيق و القوانين و السنن و ما توفر من التسميات التي تتخم أخبار العالم كل يوم..

منذ أيام، أسدل الستار على جولة أولى من الإنتخابات البلدية الإسبانية و انتهت باكتساح حزب وليد إسمه "حركة نستطيع/PODEMOS"..

"نستطيع".. هكذا كانت التسمية، و من دون أي إضافات وثوقية.. فالكلمة حمالة لمعاني عدة، و لربما قد اختزلت قواميس الحراك الميداني و أنقذت "حيرة اليسار في معجمه الطبقي"..
و الكلمة تحمل داخلها ايقاعات لمعاني عديدة: "سنتجرأ"، "سنعمل على تحقيق ذاك و ذاك".. الإعجاز اللغوي و الإيقاعي في تلك الكلمة لا يتأتى من النفس الحكمي الذي يصبغ فرادتها، بل بالصيرورة اللتي تمخضت عنها.. فمن حركة الساخطين التي ظهرت في إسبانيا، ولد بوداموس ("حركة نستطيع" بالإسبانية) و تحول إلى حزب سياسي غير تقليدي بالمرة. طاقة السخط و الغضب التي ملأت أنفاس الكثيرين في شوارع مدريد و برشلونة و غيرها، تحولت إلى أمل تغيير ممكن، إلى مشروع قابل للتحقق، ليس بمنطق المصالحة مع الواقع و مرونة التكيف مع الأوضاع، و ليس بمعنى تحقيق الممكن داخل إطار المتاح و المستطاع، بل بمدى القدرة على ترجمة أحلام ثائرة سكنت الشوارع و الميادين لسنوات طويلة و ها قد أصبحت اليوم صيرورة واقعية و برنامجا قيد التنفيذ..

"عالم آخر ممكن" لا تتطلب فنا "لتحقيق الممكن"، بل تنشد فعلا دائما يوسع من دائرة المستطاع و يسقط حدوده المنصبة سلفا و يصهر الحلم داخل محارق الراهن حتى يعجن خبز العالم الوليد ليتناوله الجميع بكرامة..

بين "نستطيع" و "نعم، نستطيع !" هنالك مسافة حلم و نضالات أجيال سطرت ملامح العالم الذي ننشده، عالم خال من نشازات البورصة و شوائب الديون، عالم له جمال قصائد لوركا و ايلوار و نيرودا و درويش و الشابي..
 


هيكل حزڨي
podemos-280515-1.jpg

Dans la même catégorie