Publié le 06-03-2018

تقرير المرصد التونسي لاستقلال القضاء : زيارة وزير العدل الى سجن الرابطة لم تعكس حقيقة الأوضاع

اصدر المرصد التونسي لاستقلال القضاء تقريرا بعد متابعته للزيارة الفجئية لوزير العدل محمد صالح بن عيسى إلى سجن "الرابطة "بالعاصمة التي أدّاها على امتداد يومين بداية من صباح يوم الأربعاء 26 أوت 2015 وذلك في سياق "مواصلة تشخيص الوضع الصعب للمؤسسات السجنية والعمل على تطوير المنظومة السجنية وتحسين الأوضاع بالسجون التونسية في إطار برنامج إصلاح القضاء والسجون



 تقرير المرصد التونسي لاستقلال القضاء : زيارة وزير العدل الى سجن الرابطة لم تعكس حقيقة الأوضاع

في ما يلي تقرير المرصد التونسي لاستقلال القضاء :

يعتبر المرصد التونسي لاستقلال القضاء أن زيارة المؤسسات السجنية من قبل وزير العدل بصفته تلك وباعتباره عضوا في حكومة يجب أن تكتسي صبغة حقوقية بهدف حماية كرامة السجين والحفاظ على سلامته الجسدية وأن تستمد أهمّيتها من ارتباط الوزارة بمعاني العدالة وحقوق الإنسان وقيم المواطنة ومبادئ الديمقراطية وذلك للحيلولة دون تحوّل تلك الزيارات إلى مجرد تفقد لإدارة عمومية أو مكاتب خدمات أو لمبيت جامعي أو سوق أسبوعية، واستنادا الى ذلك يتّضح أنّ هذه الأبعاد قد غابت عن زيارة الوزير وهو ما انعكس على أدائه واستنتاجاته التي لم تلج إلى عمق المشاكل والصعوبات التي تعترض المؤسسات السجنية.

ويضيف إلى ذلك أن الزيارة - بإبرازها لظواهر سطحية - لم تعكس حقيقة الأوضاع التي يشهدها سجن الرابطة الصغير وبالأحرى المؤسسات السجنية الأكثر أهمية مما ساهم في التغطية على تلك الأوضاع وتأجيل ما يرجى من تطوير المنظومة السجنية وتحسين الأوضاع بالسجون.

 مغالطات الزيارة: وقد ظهرت بالأساس من خلال:

1- الصدمة غير المُبرّرة لوزبر العدل : بدا وزير العدل مصدوما من حالة الأرشيف ووضعية المطبخ وقلّة نظافته مع وجود أعطاب بقنوات تصريف المياه المستعملة والحال أنه سبق إطلاع الوزير على أوضاع السجن بواسطة تقارير دورية وخاصة من قاضي تنفيذ العقوبات بالمحكمة الابتدائية بتونس منذ شهر اكتوبر 2014 لا يقل عددها عن 10 تقارير وقد تضمنت مختلف الاخلالات والنقائص ومواطن ضعف الخدمات الصحية بالسجن بصفة مفصلة ودقيقة، ويطرح الأمر فرضيتين إمّا أن الوزير لم يطلع على التقارير العديدة التي وُجّهت إليه أو أنه اطلع عليها وكان على علم بها وهو ما لا يبرر صدمته التي يمكن وصفها بالدعائية أو المفتعلة بدليل استدعاء عدد من وسائل الاعلام في زيارة فجئية... وكل ذلك يرسخ الانطباع السائد لدى الكثيرين بأن وزارة العدل تُولّي وجهها عن الواقع اليومي للسجون.

2- تجاوز الجهات المعنية بالزيارة: ويتّضح ذلك خصوصا فيما يلي:

- لقد تمت زيارة الوزير دون سابق اطلاع على التقارير ودون استماع سابق لجهات المراقبة القضائية والإدارية وحتى الحقوقية ويمكن أن يعدّ هذا قفزا على عمل المؤسسات التي لها نظر مباشر على السجن مثل قاضي تنفيذ العقوبات والوكالة العامة لدى محكمة الاستئناف وإدارة السجون والاصلاح...

- لم يُكلّف وزير العدل نفسه الإنصات للمساجين ومشاغلهم وشهاداتهم وقد قام بذلك على مضض وبصفة برقية وعابرة ودون اهتمام أو تركيز كاف، والحال أنّ زيارات السجون تستهدف أساسا المساجين والاستماع مباشرة إلى تشكّياتهم ومعرفة أوضاعهم بقصد تحسينها.

3- التفصي من المسؤولية: لقد حمّل وزير العدل مسؤولية الأوضاع المزرية بالسجن لأعوان التنفيذ دون الإقرار بمسؤولية أصحاب القرار وخصوصا الإدارة العامة للسجون والإصلاح ووزارة العدل نفسها بالنظر الى ما تملكه هذه الأخيرة من سلطة رئاسية وباعتبار أن أهمّ الاخلالات بالسجن تتطلب حلولا جذرية وقرارات هامة واعتمادات مالية هي من صلاحياتها أساسا، أما أعوان التنفيذ فمسؤوليتهم دنيا وهي مرتبطة بمسؤولية من يرجعون اليهم بالنظر بل قد يكونون من ضحايا الظروف المزرية للسجن من ذلك تشكي بعض الأعوان من الأكل وضيق الفضاء والمكاتب وطول الاشغال..الخ

4- التغافل عن الجوانب الايجابية: رغم معاينته جودة العمل الاجتماعي والإداري والوضع الجيد للمصحة وحسن نظامها فقد امتنع وزير العدل عن ذكر ذلك والإشادة به علانية من باب توخي الموضوعية وتثمينا لعمل الساهرين على ذلك وتشجيعا لمجهوداتهم تحدّيا للظروف الصعبة، وهو ما يُغذّي الشكوك حول قدوم وزير العدل للسجن بخلفية مُعيّنة وفكرة مُسبقة لم تنفع الزيارة في تغييرها.

5- التغطية على التقصير السابق والسكوت الطويل عن الإخلالات: لم يسبق لوزير العدل الحالي منذ توليه الوزارة بتاريخ 5 فيفري 2015 أن تفاعل مطلقا مع التقارير الدورية التي سبق رفعها للوزارة منذ سنة تقريبا من قبل جهات المراقبة القضائية والمتضمنة تشخيصا دقيقا ومفصلا للنقائص، كل ذلك رغم التذكير الدائم بحقيقة الأوضاع. ومع ذلك يلاحظ اعتماد وزير العدل على بعض تلك الإخلالات لمساءلة أعوان التنفيذ.

 حقيقة الأوضاع:

يلاحظ أنّ سجن الرابطة هو سجن صغير يأوي بضع عشرات من المساجين لا يتجاوزون المائة عموما وهم غالبا من ذوي الأحكام المخففة من أجل جرائم غير خطيرة وعدد منهم ممن يتم تشغيلهم خارج السجن وكثير منهم من المرضى والمحتاجين إلى العلاج بمستشفى الرابطة القريب وبعض ممن يُراد تبجيلهم من ذوي الحظوة المنتمين لسلك السجون والإصلاح والسلك الأمني، وكل تلك الاعتبارات تجعله أقل صعوبة ومأسوية مقارنة بعديد السجون التي تعاني من الاكتظاظ وتوابعه.

غير أن ذلك لا يعني خلوّ السّجن من نقائص وإخلالات هي أساسا هيكلية تهم أساسا تآكل بنيانه وتردي حالته المادية وقِدم تجهيزاته وضعف بعض خدماته. ولقد تجاهل وزير العدل ذلك الوضع العام للسجن وحصر مشاكله في جزئيات وتفاصيل دون ربطها بتردّي الحالة العامة للسجن الذي تُعتبر وزارة العدل من المسؤولين على تحسينها، ودون الالتفات أو التساؤل عن إخلالات أكثر خطورة.

وقد تمكّن المرصد - عن طريق مصادر مباشرة من السجن - من رصد عدد من الإخلالات في أغلبها إخلالات مُشتركة مع بقية السّجون، وهي مرتبطة بالأوضاع المعنوية أو الإنسانية، والصحية والإدارية والمادية:

أ- الأوضاع المعنوية أو الإنسانية:

ونشير بصفة خاصة إلى الإخلالات التالية :

1- السكوت عن المحاباة والتمييز بين المساجين: يتّضح وجود إغفال متعمّد من قبل وزير العدل الحالي ومن سبقه لوضع الغرفة السياحية التي تؤوي منذ حوالي 4 سنوات تقريبا على وجه المحاباة المساجين المنتمين لإدارة السجون والإصلاح والبعض من الأمنيين والسياسيين من النظام السابق والتي تحتوي على شروط الرفاهة والتجهيزات والخدمات... والتواصل المُريح والمُكثّف مع إدارة السجن وحتى مع الإدارة العامة للسجون والإصلاح... فضلا عن التبجيل الذي يحظى به نزلاء تلك الغرفة التي لا تضمّ سوى بضعة مساجين (حاليا سجين واحد) وذلك مقابل عشرات المساجين لنفس المساحة بغرفة أخرى وهو ما يعدّ تمييزا لهم عن بقية المساجين وتناقضا مع السياسة المُعلنة في الحد من ظاهرة اكتظاظ السجون.

2- تساؤلات حول ضمانات الشفافية والعدل والمساواة ومعايير التمتيع بالسراح الشرطي والعفو: تكفي هنا الإشارة إلى بشاعة ما تعرّض له أحد المسجونين من أجل إصدار شيك بدون رصيد تولى خلاصه أصلا ومصاريف وخطايا ومن غير ذوي السوابق ومن أصحاب السلوك الجيد داخل السجن ومن غير ذوي النوازع الإجرامية إلى تشويه بالوجه داخل السجن بعد امتناع وزير العدل الغريب عن تمتيعه بالسراح الشرطي أو اقتراح تمتيعه بالعفو الرئاسي رغم توفر الشروط الموضوعية في ملفه ودعمه من قبل مختلف الجهات القضائية والإدارية ذات العلاقة بالموضوع، كل ذلك مُقابل تمتّع مساجين أخطر منه ومن ذوي السوابق بالعفو أو السراح الشرطي.

3- تساؤلات حول مدى متابعة مآل الأبحاث في شبهات التعذيب وسوء المعاملة والاعتداء على بعض المساجين بسجون أو مراكز احتفاظ أخرى والقادمين لسجن الرابطة للعلاج بالمستشفى المجاور والتي فتحت النيابة العمومية أبحاثا فيها بإحالة من قاضي تنفيذ العقوبات.

ب- الأوضاع الصحية:

ويتعلق الأمر على سبيل المثال بما يلي :
1- تردّي شروط حفظ الصحة من خلال الأعطاب في قنوات تصريف المياه والصرف الصحي وقِدم الحشايا بما حوّلها أعشاشا للحشرات السامة خاصة "البق" وتسببه في أمراض وتعفّنات جلدية للمساجين.. رغم معاينة سعي إدارة السجن في كثير من الأحيان إلى تحسين الأوضاع.

2- عدم استمرارية الإطار الطبي بالسجن ومحدودية تواصله مع قاضي تنفيذ العقوبات تبعا لإخضاع ذلك لنظر الإدارة العامة للسجون والإصلاح.

3- استبقاء مواد غذائية انتهت صلوحيتها والإبطاء في إتلافها، فضلا عن تعطب أحد أجهزة التبريد دون إبدالها.

ج- الأوضاع الادارية:

ويمكن في هذا الصدد ذكر أهمّها:

1- البيروقراطية الإدارية وغياب الحد المناسب من استقلالية التصرف لدى إدارة السجن ومركزة القرارات حتى المستعجلة لدى الإدارة العامة للسجون والإصلاح، وضعف التجاوب التلقائي مع عمليات المراقبة، ومن امثلة ذلك توزيع المساجين على الغرف وإتلاف المواد الغذائية منتهية الصلوحية وربط تقديم طبيب السجن لتقرير طبي لقاضي تنفيذ العقوبات بموافقة الإدارة العامة...الخ

2- افتقاد السجن إلى سيارات مهيأة خصيصا لنقل المساجين وكذلك الموقوفين للجلسات والمحاكم بما يتسبب في كثير من الأحيان في تخلف الموقوفين عن جلساتهم وتأخّر مثولهم وإهدار احتمالات الإفراج عنهم...

3- الانقطاع المتكرّر لشبكة الانترنيت.

د- الأوضاع المادية:

ويمكن الإشارة إلى مثالين أساسيين:

1- وضع المطبخ والصرف الصحي ذلك أن الحالة المزرية والمتردية للمطبخ ودورات المياه وقنوات الصرف الصحي والمياه المستعملة مثلا تُعدّ جزءا من الحالة المتردية للسجن عموما ويتطلب الأمر أشغالا كبرى وعاجلة لتحسينه وتعصيره قد تشمل حتى الغرف وقد يحتاج الأمر تجديد أجزاء السجن وتوسعته وتعصيره بقرارات إدارية واعتمادات مالية ترجع إلى جهات حكومية بما فيها وزارة العدل والإدارة العامة للسجون ويتجاوز إدارة السجن. وفي انتظار ذلك تبقى الصيانة والتعهد عملية ظرفية وترقيعية عملت إدارة السجن في الكثير من الأحيان على القيام بها في عدة مناسبات خصوصا بتوجيه وطلب من قاضي تنفيذ العقوبات طبق ما تثبته التقارير والمعاينات.

2- وضع الأرشيف: وهو جزء من الوضع العام لإدارة السجن ويرتبط بوضعية المكاتب الضيقة جدا والمتداعية مع ملاحظة ان مدير السجن بلا مكتب يعمل به أصلا وتنتظر إدارة السجن منذ مدة - طالت أكثر من اللزوم - انتهاء الأشغال بالبناية الجديدة للإدارة التي يقع تشييدها بالمدخل وكان على وزارة العدل استحثاث انتهاء الأشغال والتساؤل عن سبب التأخير في الانجاز في ظل حديث عن مماطلة المقاول.

الاستنتاجات:

يستنتج من وقائع الزيارة وفي ضوء ما تبين من حقيقة الأوضاع داخل السجن المذكور:

- أن زيارة الوزير لم تستند إلى اطلاع سابق على وضعية السجن أو دراسة التقارير المتصلة بها بدليل ما تبين من موقف الوزير إزاء الإخلالات المادية.

- أن الزيارة تؤكد القناعة الراسخة لدى عدد غير قليل من المعنيين بأوضاع السجون سواء من إطارات السجون و أعوانها أو من قضاة تنفيذ العقوبات بمختلف المحاكم من أن وزارة العدل تتجاهل الشؤون المتصلة بالسجون والإصلاح إضافة إلى عدم التفاتها بجدية للتقارير الدورية التي ترفع لها من قبل الأطراف المعنية وما تتضمنه من تشخيص للانتهاكات والإخلالات إضافة إلى انعدام التواصل بين هؤلاء أو التفكير في إنشاء إطار مهني يجمعهم ويساعد على تذليل الصعوبات وطرح الحلول المشتركة.

- إن الحلول التي تم تنفيذها استجابة لطلبات الوزير تبقى حلولا وقتية زائلة من باب ذر الرماد على العيون ولا تستوجب زيارة وزارية خصوصا وقد سبق تحقيق مثلها خلال الزيارات الدورية لمؤسسات الرقابة القضائية.
- إن موضوع السجون يبدو برمته واقعا في قبضة الإدارة العامة للسجون في ارتباط بقوى نافذة في الدولة وبإرادة سياسية غائبة ولا يتضح أنّ لوزير العدل سلطة حقيقية عليه رغم انه المشرف قانونا على الإدارة العامة للسجون والإصلاح ...

- يٌخشى أن تكون الزيارة عملية استعراضية وغطاء لقرارات سياسية جاهزة  


marsad-121112-1.jpg

Dans la même catégorie