Publié le 06-03-2018

صحيفة رأي اليوم :لا تتوقف تونس عن مفاجأتنا بترسخ ديمقراطيتها ووعي شعبها... فما هو السر في ذلك؟

"نشرت صحيفة رأي اليوم للكاتب والصحفي عبد الباري عطوان مقالا بعنوان "لا تتوقف تونس عن مفاجأتنا بترسخ ديمقراطيتها ووعي شعبها في وقت تغرق المنطقة بالديكتاتورية والفوضى الدموية معا.. فما هو السر في ذلك.. وهل يختار التونسيون الخبير المحنك ام الثائر الصلب في الدور الثاني؟



 صحيفة رأي اليوم :لا تتوقف تونس عن مفاجأتنا بترسخ ديمقراطيتها ووعي شعبها... فما هو السر في ذلك؟

في ما يلي المقال الذي نشر في صحيفة رأي اليوم

لا شك ان نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت اليوم (الاحد) مهمة لانها ستحدد هوية الساكن الجديد لقصر قرطاج، لكن ما هو اهم منها في نظرنا هذا النجاح المتواصل لتجربة الديمقراطية التونسية، في وقت تتعمق الديكتاتوريات من ناحية، والفوضى الدموية من ناحية اخرى، في معظم انحاء الوطن العربي

التونسيون اذهلوا العالم بثورتهم، وها هم يذهلونه مرة اخرى بحضارتهم وانضباتهم، وانجاح تجربتهم على نار هادئة دون ضجيج او مكابرة او مفاخرة، وانما من خلال الوعي الديمقراطي، والمرونة، بل ونكران الذات السياسية وشهوة الحكم من اجل تونس وعزتها واستقرارها

قد يختلف المقترعون في تونس، وكذلك المراقبون على هذا المرشح او ذاك، ويتحفظون على هذا البرنامج السياسي او ذاك، ولكن لا خلاف مطلقا على نزاهة عملية الاقتراع، واجواء الحرية التي اتسمت بها، والقدرات التنظيمية العالية التي سادتها، وبما يرتقي الى مستوى الانتخابات في الدول التي خبرت الديمقراطية لاكثر من اربعة قرون او اكثر

حصانان فازا في السباق، ووصلا الى الدور الثاني، الاول الباجي قايد السبسي رئيس الوزراء الاسبق والسياسي المخضرم الذي يملك خبرة ادارية عريقة تمتد لاكثر من خمسين عاما معظمها في دهاليز الحكم الى جانب رجل الاستقلال ومؤسس تونس الحديثة الحبيب بورقيبة، وكللها بقيادة البلاد من موقعه كرئيسللوزراء في المرحلة الانتقالية الاصعب والاخطر في تاريخ تونس، تولى خلالها الاشراف على اول انتخابات حرة في مرحلة ما بعد الثورة

اما الثاني فهو الدكتور المنصف المرزوقي الناشط الحقوقي الذي وظف زهرة عمره في محاربة الاستبداد، والفساد فناله الكثير من السجن والاعتقال وحملات التشويش واغتيال الشخصية من قبل اجهزة النظام السابق الاعلامية والامنية

الشعب التونسي سيقرر في نهاية المطاف من هو الرجل الاصلح لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة، الرجل الخبير المخضرم الذي يملك علاقات دولية واسعة، ام الرجل المناضل الثائر الذي حمل راية العدالة وحقوق الانسان لسنوات عديدة، وكان اول رئيس لتونس بعد الثورة، واقام في قصر قرطاج لمدة ثلاث سنوات، وخفض راتبه، وعاش حياة متقشفة؟

بقي ان نقول ان هذا الانجاز الديمقراطي، وايا كانت نتائجه، تحقق وتجذر لاسباب كثيرة ابرزها دور المرأة التونسية ودرجة الوعي العالية للشباب التونسي، ومرونة قطبي المعادلة السياسية التونسية المتمثلة في حزبي نداء تونس والنهضة، وبعد نظر قيادتهما، وترفعهما عن المماحكات الحزبية الضيقة

فالناخب التونسي الذي غير الكثير من المعادلات السياسية السابقة التي اظهرتها نتائج انتخابات البرلمان التأسيسي المؤقت، ونسف الخريطة الحزبية البرلمانية من جذورها من خلال غربلة دقيقة، اسقط من خلالها العديد من الاحزاب لانعدام كفاءتها ووهمية برامجها، وانكشاف امرها كظاهرة صوتية، وصعّد من

يملك المصداقية، والجذور الشعبية الحقيقية والعميقة في التربة التونسية الاصلية والمعطاءة، وها هو اليوم يكرر عملية الغربلة نفسها، وان كان بطريقة تنطوي على حنكة وبعد نظر، ويختار الاصلح للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية مثلما تشير معظم التوقعات واستطلاعات الرأي

لا نملك في هذه اللحظة غير ان نقدم احر التهاني للشعب التونسي على تعمق تجربته الديمقراطية وتجذرها، في اطار من الشفافية والمنافسة الشريفة المسؤولة، ونقول له من اعماق قلوبنا انت الضوء الساطع في نفق امتنا المظلم والدموي والمحبط على معظم الصعد



Dans la même catégorie