Publié le 06-03-2018

مهرجان قرطاج بين الإرهاب والموسيقى

بعد ساعات فقط من انتهاء فترة الحداد على أرواح الجنود التي أعلنها رئيس تونس المنصف المرزوقي من قصر الرئاسة إثر آخر حادثة إرهابية عرفتها تونس في منتصف شهر رمضان، غصّت مدارج المسرح الأثري في قرطاج بآلاف من عشاق الموسيقى الذين جاؤوا لحضور حفلة الموسيقي العالمي ياني.



مهرجان قرطاج بين الإرهاب والموسيقى

افتتح الحضور السهرة بتلاوة النشيد الوطني في تحيّة لأرواح الشهداء عكست صورة تونس الصّامدة أمام المد الإرهابي والعاشقة للفرح والحياة. وقد ارتبط اسم قرطاج في الآونة الأخيرة بجملة من التناقضات، أهمها ثنائية الحياة والموت. ففي حين يشهد قصر رئاسة الجمهورية في قرطاج منذ فترة تأبين الشهداء من الجنود ضحايا الإرهاب وتشييع جثامينهم الواحد تلو الآخر، يشهد المسرح الأثري مهرجانه الصيفي السنوي الذي يضم خيرة فناني العالم.

وأصبح للموت في تونس بعد الثورة وجع جديد بعدما تسلل الإرهاب إلى جبالها الخضر وأصبح للحياة فيها أيضاً طعم التحدي الحذِر، خصوصاً أن الممسكين بالسلطة عبّروا في أكثر من مناسبة عن فشلهم في حماية أرواح مواطنيهم منذ سنتين وأكثر.

يتندّر التونسيّون على صفحات المواقع الاجتماعية بانحصار دور رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، في إعلان الحداد على ضحايا الإرهاب وتأبين الأمنيين والعسكريين المغدورين وأداء واجب العزاء لدى عائلاتهم وذرف الدموع حسرة على صفوة حماة البلاد الذين حصد الإرهاب أرواحهم. والمنصف المرزوقي الذي يعتبر، نظراً إلى محدودية صلاحياته مقابل صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، رئيساً شرفياً. ودوره الذي تميّز به منذ تنصيبه، هو تلاوة الخطب الرنانة والتنديد بالضربات الموجعة التي عصفت بالبلاد وتهديد الإرهابيين شفوياً بالقول «لن تمروا، لن تمروا، لن تمروا». وحصد بسبب هذا سخرية التونسيين فنعتوه بـ «رئيس الحداد» ونعتوا قصر قرطاج بـ «قصر الموت».

قرابة الخمسين من الجنود والأمنيين مرّ تأبينهم عبر قصر قرطاج وبكاهم المرزوقي في حرقة. ولكنّ طقوس الموت التي رافقت جثثهم لم تتجاوز البروتوكولات المعتادة. وخطابات المرزوقي الحادة لم تتجاوز مجرد التهديد الذي نجح الإرهابيون كل مرة في تحدّيه. لم تخرج من قصر قرطاج ومن ساكنه «قائد القوات المسلّحة» أي قرارات مهمة لمساعدة جنود الوطن في القيام بمهماتهم.

طالب آلاف التونسيون بتحسين الوضع الاجتماعي للعسكريين المرابطين في الجبال عبر تحسين أجورهم والإحاطة بعائلاتهم وتوفير الإمدادات الضرورية لهم من ستر واقية ومعدات مضادة للألغام. كما طالبوا بالمحاكمة الفورية للأئمّة المحرّضين على الإرهاب وبكشف ملابسات العمليات الإرهابية السابقة، ولكن كل ذلك لم يجدِ.

غير بعيد عن «قصر الموت»، يشعّ الفرحُ في المسرح الأثري بقرطاج. برمجة فاخرة لدورة مهرجان قرطاج الصيفي لهذه السنة أضاءت العتمة التي غمرت البلاد أشهراً طويلة. سهرات متنوعة تراوحت بين العزف على العود مع الموسيقي التونسي أنور براهام، والرقص من خلال عروض قدمتها فرقتا رقص صينية وهندية، وأجمل الألحان التي عزفها الموسيقي ياني.

ويواصل مهرجان قرطاج دورته لهذه السنة من خلال المسرحيات الفكاهية والعروض المتنوعة، وأهمّ نجوم الطرب العربي. إقبال التونسيين على هذه الدورة كان كثيفاً وحافلاً وحمّالاً لمعانٍ ورسائل. ففي حين يحمل الإسلاميون المتشدّدون في المساجد مصادحهم ليحرّموا الغناء والتمثيل وارتداء الملابس الملونة، يحلّق التونسيون بأرواحهم وقلوبهم بين أيديهم منتشين بنسمات الصيف اللطيفة على أنغام موسيقى العالم.

 المصدر:الحياة


carthage-01082014-v.gif yanni-01082014-v.gif

Dans la même catégorie